التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
في عهد السلطان العثماني بايزيد الثاني مات ملك المجر ماتياس، وبموته أفل نجم مملكة المجر نتيجة، وتضخمت على حسابها دولة النمسا.
شاء الله عز وجل أن تشهد هذه المرحلة التاريخية؛ أعني السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر والبدايات الأولى من القرن السادس عشر، أي في عهد السلطان بايزيد الثاني، عدَّة تغييراتٍ جذريَّةٍ في خريطة العالم السياسية، فظهرت قوى عالمية جديدة، وتضاءلت قوى أخرى، وكان لكلِّ هذا تأثيرٌ مباشرٌ على مستقبل الدولة العثمانية، وكان من هذه التغييرات ظهور إمبراطوريَّات كبرى كان لها تأثيرٌ كبيرٌ على مجريات الأحداث العالمية؛ مثل إمبراطوريات إسبانيا، والبرتغال، وروسيا، والنمسا، والصفويين بإيران، كما تطوَّرت أوروبا الغربية علميًّا واقتصاديًّا بشكلٍ لافت ممَّا أدَّى إلى نموِّ إنجلترا وفرنسا لاحقًا بصورةٍ مؤثِّرة، وصاحَب هذا التضخُّم لهذه الإمبراطوريات أفول لنجوم إمبراطورياتٍ أخرى؛ كالمجر، والبندقية، وإمبراطورية البابا نفسه! لا شَكَّ أن هذه التطوُّرات كان لها أثرٌ كبيرٌ على الدولة العثمانية، التي شهدت بدورها في مطلع القرن السادس عشر نموًّا مذهلًا في قوَّتها، ممَّا جعلها في منافسةٍ بارزةٍ لهذه القوى الجديدة التي ظهرت، وفي هذا المقال سنأخذ فكرةً عن أفول نجم المجر، وظهور النمسا كقوة عظمى.
أفول نجم المجر، وظهور النمسا كقوة عظمى
في عهد بايزيد الثاني مات ملك المجر ماتياس، وذلك في 6 أبريل عام 1490م[1]، وهذا الملك هو أقوى ملوك المجر في كلِّ تاريخها، وبموته أفل نجم مملكة المجر، وضاعت معظم الأراضي التي ضمها ماتياس في حياته[2]، وكان من الممكن أن تستغل الدولة العثمانية هذا الظرف للتمدُّد في الشمال، لولا أن السلطان بايزيد الثاني كان منشغلًا بأمور الدولة الداخلية، والحرب مع دولة المماليك، بالإضافة إلى مخاطر إطلاق الأمير چم.
حتى بعد وفاة چم عام 1495م وتخلُّص الدولة من التهديد الحرج الذي كان يمثِّله، لم تستطع الدولة أن تتخلص من تكبيلها الذي عانت منه على مدار السنوات الثلاثة عشر الماضية.
كان من نتيجة تفكُّك المجر أن تضخمت على حسابها دولة النمسا، وفي عام 1498م تزوَّج فيليب العادل Philip the Fair، ابن الإمبراطور النمساوي ماكسيميليان Maximilian، من وريثة عرش إسبانيا چوانا Joanna[3]، وهذا ما سيوحِّد المملكتين؛ النمسا وإسبانيا، لاحقًا، وهذا سيُغيِّر جدًّا من موازين القوى، خاصَّةً في وسط أوروبا، وسيكون انهيار المجر من مصلحة الدولة العثمانية، التي ستغزو أراضيها بسهولةٍ في عهد سليمان القانوني، بينما ستُصبح النمسا قوَّةً ضخمةً ستُؤثِّر على مستقبل الدولة العثمانية في القرون القادمة.
هذه هي التغييرات الحرجة التي حدثت في عهد بايزيد الثاني، وهي التي سوف نرى آثارها في عهود السلاطين القادمين بعد ذلك[4].
[1] Setton, Kenneth Meyer: The Papacy and the Levant (1204–1571), The American Philosophical Society, Philadelphia, USA, (Volume 2, The Fifteenth Century, 1978),, vol. 2, p. 409.
[2] Tanner, Marcus: The Raven King: Matthias Corvinus and the Fate of his Lost Library, Yale University Press, 2009., p. xv.
[3] 47. بيرنجيه، جان؛ ودوران، ايف؛ وكونتامين، فيليب؛ وراب، فرنسيس: موسوعة تاريخ أوروبا العام (أوروبا منذ بداية القرن الرابع عشر وحتى نهاية القرن الثامن عشر)، مراجعة: أنطوان أ . الهاشم، ترجمة: وجيه البعيني، منشورات عويدات، بيروت–باريس، الطبعة الأولى، 1995م. الصفحات 2/324، 325.
[4] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 1/ 363.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك